وداعا ” ٢٠١٨ ” عام انتشار ” الشعبوية ” في العالم ، فانتبهوا يا حكام العالم ؛ فالقادم أسوأ



كتب / عمرو الفقي
شهد العديد من الدول في العالم، وفي أوروبا، على وجه التحديد تزايدا في التوجهات اليمينية المتطرفة، الأمر الذي انعكس على الانتصارات التي حققتها أحزاب اليمين في تلك الدول، وأخذت تشق طريقها إلى فضاء أكبر، مثل البرلمان الأوروبي.
هذه التوجهات المتزايدة نحو اليمين ليست وليدة اللحظة في العام ٢٠١٨، بل كانت بوادرها قد ظهرت في أوقات سابقة، حيث استفادت التيارات اليمينية عموما واليمينة المتطرفة على وجه الخصوص من فشل الحكومات والأنظمة القائمة في العديد من الدول في التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، كما فشلت في التعامل مع قضية اللاجئين والمهاجرين.
ولأن تنامي اليمين المتطرف وزيادة الشعبوية أصبح أمرا شائعا وتيارا مهددا للاستقرار، سارع الأمين العام للأمم المتحدة أنطويو غوتيريش إلى التحذير من تنامي الشعبوية، في أوروبا خصوصا والعالم عموما
ففي اجتماع لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، في فبراير ٢٠١٧، قال غوتيريش إن هناك تزايدا في مظاهر الشعبوية والتطرف، وأشار إلى أن الشعبوية والتطرف يعززان بعضهما البعض عبر العنصرية والكراهية ضد الأجانب ومعاداة الأجانب.
وفي وقت سابق، حذر البابا فرنسيس في مقابلة مع صحيفة “ال باييس” الإسبانية من “الحركات الشعبوية”، مشيرا إلى أن سببها يعود إلى الأزمات وتدفع بالتالي لانتخاب “منقذين” وإحاطة النفس بـ”أسلاك شائكة”.
أما الأزمات التي يشير إليها البابا فرانسيس، فمن بينها بالتأكيد سبب اندلاع احتجاجات السترات الصفراء، أي الأوضاع الاقتصادية، كما أن من بينها الأسباب الاجتماعية ممثلة باللاجئين والمهاجرين، مثلما حدث في إيطاليا، عندما خرج المتظاهرون لتأييد فوز اليمين المتطرف المناهض للهجرة واللجوء.
صعود اليمين
ومنذ بروز أزمة اللاجئين إلى أوروبا وتنامي الإرهاب، ظهرت بقوة أحزاب اليمين المتطرف، وأخذت تزيد من تواجدها في البرلمانات في بلادها بعد أن حصدت مقاعد كافية خلال الانتخابات التشريعية على مدى السنوات القليلة الماضية، لكن هيمنتها أخذت تتسع أكثر في العام ٢٠١٨، وربما تهيمن أكثر في انتخابات البرلمان الأوروبي في مارس ٢٠١٩.
وشكل فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانتخابات نوفمبر 2016، دفعة قوية للأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية التي عبرت عن حماسة كبيرة في وصوله إلى السلطة عندما التقى زعماء أحزاب اليمين المتطرف في اجتماع بألمانيا فيما وصف بأنه “قمة أوروبية” مضادة تجسد طموح اليمين المتطرف قبل الانتخابات التشريعية في هولندا في مارس المقبل والانتخابات الرئاسية في فرنسا في إبريل ومايو والانتخابات التشريعية في ألمانيا نهاية سبتمبر من هذا العام.
وخلال السنوات القليلة الماضية، أخذت أوروبا تتجه أكثر نحو التطرف أيضا، مستغلة الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين وزيادة الكراهية للأجانب، ففاز اليمين في الانتخابات في العديد من الدول الأوروبية، وإن لم يحقق انتصارات ساحقة، لكنه بالتأكيد يوسع من سيطرته في البرلمانات الأوروبية.
ففي إيطاليا، التي تعد من أكبر الدول الأوروبية المستقبلة للاجئين، فاز حزب الرابطة، ثم تحالف مع “حركة ٥ نجوم” اليمينية (انتزعت وحدها ٣٣ في المئة من أصوات الناخبين)، وكلاهما من المعادين للمهاجرين والأجانب، وشكلا حكومة برئاسة ماتيو سالفيني.
وفي السويد، فاز حزب ديمقراطيو السويد، الحزب القومي اليميني المعادي للأجانب، بأكثر من ١٧.٦% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية، وهو أكبر اختراق لهم في ذلك البلد الذي عرف عنه توجه نحو يسار الوسط واليسار على مدى عقود طويلة.
أما في ألمانيا، التي سارعت إلى تطبيق سياسة الباب المفتوح للاجئين، فقد حقق اليمين المتطرف اختراقا كبيرا بدخولهم البرلمان الألماني لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ونتيجة تحد واضح لسياسة ميركل المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين.
وفي فرنسا، حققت ماري لوبان تقدما واضحا مع حزبها، وكادت تفوز في الانتخابات الرئاسية، غير أن إيمانويل ماكرون حقق الفوز في النهاية.
وفي دول أوروبا الشرقية، يتولى الحكم في هنغاريا رئيس الوزراء الشعبوي واليميني المتطرف فيكتور أوربان، وكذا الحال في بولندا التي يقودها الشعبوي ياروزلاف كاتشينسكي، والحال ذاته في سلوفاكيا حيث الشعبويروبرت فيكو.
ولم يقف اليمين المتطرف عند أوروبا، فكما ذكر سابقا، وصل ترامب إلى البيت الأبيض، بينما نجح اليميني المتطرف جايير بولسونارو من الفوز في الانتخابات الرئاسية في البرازيل.
أسباب صعود الشعبوية
منذ نهاية الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم عام ٢٠٠٨، لم تتحسن الظروف الاقتصادية للشعوب كثيرا، ولم تتمكن الحكومات في العديد من الدول الأوروبية من تحقيق برامج ترفع من معيشة المواطنين الذين أصبحت غالبيتهم ترزح تحت ضغوط اقتصادية ومالية واجتماعية هائلة.
وصارت الدول تركز على كيفية زيادة الاستثمارات الخارجية فيها، الأمر الذي يعني سياسات اقتصادية لا تصب كثيرا في صالح الطبقات الفقرة والوسطى، وتركز على الأثرياء، باعتبارهم الجهة التي ستضخ الأموال في البلاد وتنعشها.
ومن هنا جاءت، على سبيل المثال، السياسات الاقتصادية التي تبناها ماكرون، وكذلك السبب وراء اشتعال الحرب التجارية الأميركية مع العالم عموما والصين خصوصا.
ولا شك أن عدم قدرة الأحزاب التقليدية على معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تلك الطبقات ساهم في زيادة السخط الشعبي والبحث عن بدائل يمكنها حل مشكلاتها، الأمر الذي لعبت عليه الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية، التي غذت النزعات الفردية والقومية ورفضت سياسات اللجوء والهجرة، وعمقت كراهية الأجانب.
وساعد في ذلك أيضا تنامي الإرهاب الذي ازداد عدد ضحاياه في أوروبا، والذي يستغل أي اضطراب من أجل توجيه ضرباته ليس للأنظمة وإنما لأفراد الشعب الضعفاء.

Related posts

Leave a Comment