بقلم د. صالح وهبة
من الطبيعي والمؤكد الذي لا ريب فيه، أن جمال الروح هو الجمال الحقيقي والوحيد الذي لا يستطيع الزمن أن ينال منه، فهو يسمو فوق الطببعة، لايكبر ولا يشيخ ويستطيع الأعمى أن يراه، على عكس جمال الجسد القابل للتلف والتغيير .
والغريب أن جمال الجسد يأخذ أكثر من تفكيرنا عن الموت، فبالرغم أن الموت مؤكد لكننا ننسى أننا سنموت ولا نفكر فيه واذا حدث وفكرنا لا يتجاوز تفكيرنا لحظات عابرة على عكس الحب فبالرغم أن الحب يزينه الخيال ويضخمه الوهم ويجسده التصور وتنفخ فيه الشهوات ويشتعل وينطفيء ويسخن ويبرد وهذه التقلبات خير شاهدة على إنه وهم كبير
إلا أننا نجد أنفسنا منجذبين نحوه،. نتعامل معه بكل اهتمام وخضوع وننساق إليه بكل عواطفنا ونظل على هذا الخلط والاختلاط حتى نفيق على صدمة فنستيقظ ونستعيد رشدنا لأيام أو شهور أو سنوات ولكن لا نلبث أن نستسلم لصدمة جديدة وإغماء جديد .
وسبب الخلط والاختلاط هو دائما خطأ في( النسبة) فنحن دائما( وهذه هي الكارثة ) أننا ننسب الجمال الذي شاهدناه والحنان الذى تذوقناه الى صاحبته ونظن أنها مالكته وفي الحقيقة هي ليست صاحبته ولا مالكته، فلو امتلكت المرأة جمالها، لدام لها .. لكن الجمال لم يدم لأحد لأنه منحة من الله بأجل وميقات وهو قرض يسترد في حينه ومالكها هو الله وليست أي امرأة .
كذلك الحال .. العين التي تعشق الجمال، تخطيء في نسبته وملكيته فتظنه لصاحبته فتنجذب وتعشق صاحبته وتعيش على هذا الوهم حتى تفيق على ماتحت المساحيق وتصطدم وتندم وتندب حظها وتعتبر وتتوب ثم سرعان ما تعود تننسى وتنحدر في وهم جديد .
تلك هي الغفلة المستمرة التي نعيشها والمطبات الوهمية التى تعرضنا لهزات وإغماءات .. نفيق منها لحظات ثم نعود لنغرق في بحورها من جديد ولا يكبح جماحها الا كل مؤمن تقي لايهتز ولايستسلم .. دائما متجه بنظره الى أعلى يسبح الخالق الديان وشغله الشاغل الجمال الروحاني ..ناظر دائما إلى الله الظاهر ولا تعنيه المظاهر، متعلقا بالمعاني وليس بالأواني .
وهؤلاء الأتقياء، عملة نادرة في هذه الأيام لا يتجاوزون أفرادا أو آ حادا من ألوف الملايين المغمى عليهم ، وهي غفلة عامة غالبا لا ينجي منها علم ولا ثقافة ولا ماجستير ولا دكتوراه فتلك أبواب غرور تزيد من الغفلة، فنجد العالم أحيانا يسخر علمه في خدمة هواه وعقله في خدمة عاطفته ومواهبه في خدمة شهرته، فتصبح بلواه مضاعفة بمتواليه هندسية وصدمته قاصمة للظهر.
وينقضي العمر في سلسلة من الغفلات والإغماءات والمطبات الوهمية وفي الختام محصلتها صفر أو هي في الحقيقة حاصل طرح وليست حاصل جمع ويكون مجموعها في النهاية بالسالب وليس بالموجب ..فحياة صاحبها الى نقصان، يوم بعد يوم وسنة بعد سنة، يخرج من وهم لوهم ومن خدعة لخدعة، مثله مثل الشارب من ماء مالح كلما ازداد شربا ازداد عطشا ولايتمتع بسكينة أو اطمئنان أو سلام داخلي إنما هو هابط من قلق لقلق ومن تمزق لتمزق ومن تشتت لتشتت حتى تنتهي حياته بلا ثمرة وينتهي تحصيله بلا جدوى.
تلك هي العقلية الاستمتاعية السائدة في عالم وثني أصنامه اللذة والهوى والغلبة، فكل واحد عبد لنزواته ودستوره مصلحته.
وهذا هو الحال في الأمم المتخلفة ، والنامية أسوأ مما هو في الأمم المتقدمة. فالأمم النامية هي أمم مجموعها أحيانا (حاصل طرح أفرادها) وليس حاصل جمعهم لأنهم متفرقون ومنقسمون ومتباعدون كالجزر التائهة في البحر، يضرب بعضهم بعضا وعزمهم مستهلك وقوتهم متلاشية.
ختاما .. عبرة كل حياة بختامها، فلنسارع إلى المجاهدة ولا ننساق وراء المظاهر والتلميعات المزيفة (فليس كل ما يلمع ذهبا) بل نحيا حياة الاستقامة ونهتم بالروحانيات فهي الخالدة الباقية، فهيا بنا نشمر سواعدنا حتى لا يكون محصول حياتنا صفرا، وحتى لا يصبح كل يوم من أيام حياتنا مطروحا من الذى قبله .