نٰترُك لأنفسنا العنان أحيانًا لممارسة أدوار لم تُكتب لنا بمشاهد مسرحية لرواية بعنوان الحياة، وكأي مُؤلّٰف، وعمل كتابي لابد فيه من توزيع الأدوار عند تجسيده كعمل فني بالسينما أو المسرح ، وتلك الأدوار تتباين،
فهناك مُخرج العمل الذي يقع على عاتقه مسئولية إخراج العمل على أحسن وجه، واختيار الممثلين المعروفين بقدرتهم على إنجاح العمل، فنجد الأبطال، ولهم الأدوار الرئيسية، وأيضًا لا يجب إغفال الأدوار الثانوية، ثم يأتي بعد ذلك موقع التصوير داخلي، وخارجي إن كان فيلمًا، والديكور، وباقي مكملات العمل، وهي العوامل المساهمة في إنجاحه
الحياة هي المسرحية التي نعيشها، وحتى لا تتحول لمسرحية هزلية على كل فرد أن يفهم، ويعي جيدًا دوره فيها ويسعى جاهدًا لفهم معانيها، والارتقاء بوعيه الفكري، وإيمانه بأهمية، ووجوبية توزيع الأدوار فهو ناموس له نظامه
لا يستطيع الإنسان إطلاق الأحكام فيه وفق إرادته حتى لا يختل نظام الكون، وعليه اللجوء للشرع والمُشٰرِّع ولا يُنٰصِّب من نفسه حٰكٰمًا وقاضيًا على غيره .
سنتطرق لبعض المفاهيم في طرحنا هذا لإلقاء الضوء عليها، وذلك لِمٰدٰى خطورتها، وأهميتها، ، ولتوضيح معانيها جيدًا لما لها من تأثير عميق بحياتنا، وقد يستخدمها البعض بشكل سئ يضر المجتمع سواء كان ذلك عمدًا،
أو عن جهل، فٰيٰظُن أحٰدُهُم أٰنّٰهُ يخدم المجتمع بينما يُصبِحُ هو المُذنب دون أن يعلم، وهو المُتسبب بالضرر
مفهوم، ومعنى التّٰلٰصُّص …
يأتي من كلمة لِص، واللص بالمعنى المتعارف عليه هو السارق الذي يأخذ ما هو ليس من حقه دون إذن صاحبه، ومالكه، وهنا نشير إلى الشيء المادي الذي يؤخذ ضد رغبة الآخر، وبغير موافقته
ماذا عن الشيء غير المادي ؟
الشيء المادي كالمحفظة ،الكتاب، القلم، الملابس، الطعام كلها أشياء نلمسها ونمتلكها
الشيء غير المادي ….، كالأفكار غير الموثقة بشكل رسمي، كمشروع عمل فني، أو فكرة اختراع لجهاز ، أو أفكار للقيام ببحث علمي، وما شابه .
نعود لمفهوم التّٰلصُّص، والتي تعني التنصُّت على شخص ما دون علمِه باستراق السمع، أو التقاط صور هذا الشخص دون إذن منه، فالسرقة بمعناها المفهوم ليست تلك القاصرة على الأشياء المادية فقط، بل هناك نوع آخر
من السرقات قد يكون التّٰجسُّس على عورات الآخرين كاختلاس النظر على شيء يريد صاحبه إخفاءه
قد يكون عيبًا خُلُقِيًّا وُلِد به، أو عاهة مستديمة بجسده لا يحب رؤية الآخرين لها ، وقد يكون ابنًّا عاقًّا لا يرغب معرفة الناس بأخلاقه السيئة، ومن الممكن الأحوال المعيشية السيئة التي يعيشها ، ومن المتعارف عليه أن كل إنسان
على وجه الأرض منذ بدء الخليقة يملك حريته الشخصية التي لا يجب أن يتعدى عليها الآخرين، ولا يتدخلون
في شأنه الخاص طالما لا يضر أحدًا، ويتوافق مع قواعد الشرع، ومعايير المجتمع الذي يعيش فيه، ومعتقداته،
وقيٰمِهِ، ومبادئه
قال تعالى “ولا تجسسوا”
إذن فقد نهى سبحانه، وتعالى عن التجسس بشكل قطعي، وبحُكمٍ شرعي لا جدال فيه
وله في ذلك حِكٰم ، قد ترى ما لا يعجبك من إنسان كنت تظُن أنّٰهُ قدوة ، والله ستر هذا العيب فيه عن الناس لأن الله عز وجل له حكمة في ذلك رُبّٰما تكون معصية يعلم الله وحده أنه سيتوب عنها لأن الله أراد هدايته فكيف لنا التدخل
في أحكام الله، وتصريفه للأمور عندما تتلصّٰص على هذا الإنسان لمجرد حب الاستطلاع أو نيّٰة مُبٰيّٰتة منك لفضْحِه وإيذائه نفسيًّٰا، فهو تٰصرُّف عدواني غير سوي، وليس من حقك
هناك مٰنْ يبيحون لأنفسهم تتبُّع عورات الآخرين، ولا يعلمون أن الله سيرسل لهم مٰنْ يتتبع عوراتهم، ويفضحهم مثلما فعلوا بغيرهم “داين تُدان” فالله يُمهل، ولا يُهمل
ما تُقدم عليه من تصرُّف شائن اليوم لابد، وأن يلاحقك فعلك في الغد القريب، أو البعيد فلا تطمئن كل الاطمئنان
“ولا تجسّٰسوا، ولا يٰغتب بعضكم بعضا”
الغيبة…، وتعني الخوض في سيرة أحد الأشخاص، أو عرضه، والتحدث عنها أمام الغير، ومعهم في غياب
من الشخص الذي يتم اغتيابه، وقد يسعد المُغتاب وتوافقه الحظوظ أكثر بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي له، وهي سلاح ذو حدين لها ما لها من إيجابيات، وعليها ما عليها من سلبيات، وبطرحنا هذا نتحدث عن الجانب السلبي
فالغيبة هنا ليست أذى بالنميمة فقط، وإنّٰما يعطي البعض الحق لنفسه بِنٰشر فضائح الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالإعلام سواء ثبت عليهم الذنب، أو لم يثبت بينما أمرنا ديننا بالستر، وعدم نشر الفساد، والرذيلة والفحشاء بالمجتمع يمكننا نشر كل ما هو حميد، والاستفادة، وأخذ الدرس، والعبرة دون التشهير بالآخرين، فالمخطئ ينال عقابه بالقانون، ويحاسب على ذنبه من الخالق فليس من المصلحة العامة نشر، وفضح الأفعال السيئة بصورة الشماتة، وإعلان الأفراح، والانتقام من المُذنِب، وذٰوِيه الذين ليس لهم ذنب بفعله المُشين، وتحضرني المقولة الشهيرة
“يخلق من ظهر العالم فاسد، ومن ظهر الفاسد عالم”
كل فرد مسؤول مسئولية كاملة عن أفعاله كشخص بالغ عاقل، ولابد أن يتحمل نتائج أفعاله
نتطرق إلى مفهوم آخر هو “شريعة الغاب”… ويعني كل فرد يستطيع الحصول على حقوقه أو توقيع العقوبات
على الآخرين دون اللجوء للقانون، والجهات المٰنوط بها أخذ الحق، وتوقيع العقوبة، وإصدار الأحكام، وتنفيذها
بالقطع شيء لا يجوز على الإطلاق، وممنوع منعًا باتًّا، ويُعاقب عليه القانون، فنحن في دولة مؤسسات، وقانون،
وليس من حق أحد تطبيق العقوبات على غيره، وإطلاق الأحكام، وإلا تٰفٰشّٰت الجرائم بالمجتمع وانهار
يعاقب القانون على جريمة التجسس على الهواتف المحمولة، وعلى تسجيل المكالمات، والتجسس على الحياة الشخصية، وكذلك يعاقب على تصوير الآخرين بكاميرا أو باستخدام الهاتف المحمول دون إذن مٰنْ يتم تصويره خلسة، ودون رغبةٍ منه، فهناك بعض المُتشدقين، ومٰنْ يدّٰعون المبادئ، والمثل العليا، وأنهم يهدفون لصلاح المجتمع، ونشر الفضيلة من خلال نشر الفضائح الأخلاقية، و هنا يُجِيبُهم الشّٰرع :- “مٰنْ ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”
ماذا إن كان غير مسلم ؟ ما حُكمه؟
ينهى ديننا عن نشر الفاحشة هذا هو الحُكم بل يٰحُض على الستر والنُّصح باللين
قال الطبري: – ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره.
قال ابن عباس : نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن
قال رسول الله: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته
و أن رسول الله قال: مَنْ اسْتَمَعَ إلى حديث قَوْمٍ وَهُمْ له كَارِهُونَ أو يَفِرُّونَ منه صُبَّ في أُذُنِهِ الْآنُكُ يوم الْقِيَامَةِ
قال الشيخ ابن عثيمين: يعني الذي يتسمع إلى أناس وهم يكرهون أن يسمع فإنه يُصب في أذنيه الآنك يوم القيامة.قال العلماء: الآنك هو الرصاص المذاب
متى يكون التجسس مشروعًا؟
يستثنى هذا الحكم في الحروب أو الإبلاغ عن جريمة كالقتل أو الزنا
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ:أَنَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ
فالتجسس هنا بالحروب على الأعداء لدفع ضرر، وتحقيق مصلحة، وهي النصر، والإبلاغ عن الجرائم لمنع حدوثها،
أو معاقبة فاعليها
يُمنع أيضًا تٰجٰسُّس الزوج على زوجته، والعكس لما في ذلك من خراب للبيوت، وسوء الظن وتشتيت الأبناء، وتشريدهم
قال تعالى: – “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”
قال ابن القيم: “طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس، فالأول علامة السعادة، والثاني علامة الشقاوة”
قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ”
بهذا الطرح الذي نرجو منه الإفادة قد بيّٰنّٰا حكم التجسس بهدف درء المفاسد، وإعلاء المصلحة العامة، والارتقاء بمجتمعاتنا دون البحث بعيوب الآخرين، ونشر الأسرار، وهدم الكيانات، والتّٰحٰوُّل إلى كائنات مسعورة
غير آدمية شاغلها الشاغل نشر الحقد، والغل، والسلبيات لتحقيق مصالح شخصية، أو مجرد التسلية على حساب الخراب، والهدم، ودمار البيوت، وحياة الأشخاص، ونهايةً “اعتبروا يا أُولي الألباب”