تبدأ القصة أصدقائي بأنّ أحد أشد المحتالين دهاءً كان يمتلك حماراً كان قد حشاه ببعض الذهب والعملات النفيسة، وحينما ذهب به إلى السوق وأخذ الحمار في النهيق، بدأ الذهبُ بالتساقط من فمه، وهنا اجتمع كُلُّ من في السوق ليروا ويُشاهدوا ذلك الحمار العجيب، وبدأ الناس بسؤال ذلك المحتال عن هذا السر؟ فأجابهم المحتال المخادع بأن لهذا الحمار العجيب قصةً غريبة، إذ ألقى عليه أحد السحرة نوعاً من التعويذات جعلته كُلّما نهق تتساقط العملات المعدنية والذهب من فمه دائماً.
وهنا جنّ جنون الناس لأنّه كما تعلمون يا أصدقائي فإنّ للذهبِ سحراً خآصّاً يأسر العقول، وهنا قرّر كبيرُ التجار بأن يشتري ذلك الحمار السحري من ذلك المحتال بالسعر الذي يُريده، ولم تمضِ فترةٌ من الوقت حتى ادرك كبير التُجّار بأن الحمار ليس مسحوراً وأنّه كباقي حمير القرية، فما كان من كبير التُجّار إلّا أن جمع باقي تُجّار القرية وأخبرهم بقصّة ذلك الرجل المحتال المخادع الذي باع له حماراً عاديّاً على أنّه حمارٌ مسحورٌ يخرجُ الذهبُ من فمه كُلّما نهق.
وهنا استشاط التُجّارُ من الغضب لأنّ كبيرهم قد خدعه محتال، وقاموا من جلستهم على الفور قاصدين بيت ذلك المحتال، وما أن طرق أحد التجار باب بيته، حتى فتحت لهم زوجته مُرحّبةً بهم، فسألوها عن زوجها، فأخبرتهم قائلةً : “إنّ زوجي بالخارج الآن، ولكنّي سأرسلُ له الكلب لكي يُحضره إلى هنا” واطلقت الزوجة كلباً كان مربوطاً بجوار المنزل، فخرج الكلبُ مُسرعاً لينادي ذلك المحتال، فأصاب معشر التُجّار الحيرة قائلين لها : “هل هذا الكلبُ يعرفُ كيف يُنادي صاحبه ؟”.
فأومئت المرأةُ برأسها وهي تقول لهم نعم، ولم تمضِ دقائقُ معدودةٌ حتى عاد الرجلُ المحتالُ وبصحبته كلبٌ يُشبه الكلبَ الذي كان عندهم تماماً، وما أن رأى التُجّار ذلك الكلبَ وهو بصحبة المحتال حتى نسوا تماماً ما جائوا من أجله، وأرادوا جميعاً شراء الكلب بأعلى سعر، وما كان من المحتال إلّا أن باعهُ لأحدِ هؤلاءِ التُجّار بثمنٍ كبير، وحينما عاد التاجرُ إلى بيتهِ وأطلقَ الكلبَ ليُنادي له ابنهُ من السوق، إذ بالكلبِ يلوذُ بالفرار ولم يعد أبداً، وهناك اجتمع ذلك التاجر مع باقي التجار مرةً أخرى ليذهبوا من جديدٍ إلى ذلك المحتال ويُخبروه بأنّه مخادعٌ لعين.
واقتحم معشرُ التُجّار بيت الرجل هذه المرة وأخبرتهم زوجته بأن ينتظروا حتّى يأتي زوجها من الخارج، وحينما وصل المخادع البيت وأخذ في نقاشٍ مع زوجته وهو يقولُ لها : “هل قُمتي بتقديم شيءٍ لضيوفنا أكابر القوم؟” فردّت زوجتهُ وهي تقول : “لا والله !” فأخرج الرجلُ من جيبه سكيناً ذا نصلٍ يعودُ إلى غمده إذ ما تم لمسهُ فقط (أي انّه لا يُؤذي ابداً) وقام ذلك المحتال بطعن زوجته الخبيثة والتي كانت تضعُ مسحوقاً أحمر اللون تحت ملابسها حتى تكتمل الخدعة على هؤلاء الأغبياء، وبالفعل سال الدّمُ على الأرض : أي المسحوق الأحمر.
فاقشعرّت أجسادُ التُجّار ممّا رأوا وقالوا له في استنكارٍ : “أتقتلُ زوجتك أيُّها الرجل لأنّها لم تقدم لنا شيئاً منذ أن قدمنا إلى هنا ؟” فنظر المخادع إليهم وهو يقول : “لا تقلقوا، فقلد قتلتُها كثيراً من قبل” وبعدها اخرج من جيبه مزماراً، وبدأ المخادع بالعزف حتى وقفت زوجتهُ على قدميها من جديد وكأن شيئاً لم يحدث وقدّمت لهم الشاي والقهوة، وفي ذهولٍ نسى التُجّار مرةً أُخرى ما جاؤا من أجله وقرّروا شراء ذلك المزمار السحري.
وما أن اشترى التُجّار ذلك المزمار، حتّى قام احدهم بقتل زوجته وحينما حاول النفخ في المزمار لم تتحرّك من مكانها لأنّها ماتت بالفعل، ولم يتوقّف الأمرُ عند هذا الحد، فلقد قام فريقٌ آخر من التُجّار بقتل زوجاتهم وأخذوا بالعزف على ذلك المزمار ولكن بدون جدوى، فالجُثث التي امامهم هي جُثث حقيقية وأدركوا بأن زوجاتهم قد ماتوا جميعاً، فأصابتهم حالةٌ من الجنون العارم والثورة وذهبوا جميعاً إلى المحتال، وتمكّنوا منه هذه المرة وقاموا بوضعه في كيسٍ كبيرٍ مُحكم وأخذوه ليُلقوا به في عَرَضِ البحرِ ليتخلّصوا تماماً من خداعهِ وكذبه.
وحمل معشر التجار ذلك المخادع على أكتافهم ذاهبين به إلى البحر حتّى نال التعبُ منهم، فألقوه أرضاً ليستريحوا من عناء الطريق، ولكن تمكّن النومُ منهم، فاستغرقوا فيه جميعاً من شدة التعب والإجهاد، فأخذ المحتالُ يصيحُ ويصرُخُ بصوتٍ عالٍ حينما أحسّ بمرور أحدهم بجواره، وقد كان ذلك راعيَ غنمٍ قد سمع استغاثته فأتاهُ مُسرعاً وهو يقولُ له : “لما أنت محبوسٌ في هذا الكيسِ ايُّها الرجل ؟”.
فقال المحتالُ للراعي المسكين : “إنّ قومي هؤلاء حبسوني ويريدون أن يُزوّجوني من بنت كبيرِ تُجّار المدينة تلك الفتاةُ الثريةُ الجميلة، وإنّي لا أريدُ إلّا ان أتزوّجَ من ابنةَ عمّي، فأنا لا أريدُ سواها” فأطلقَ الراعي سراحهُ وفرّ المحتالُ بعيداً وهو يُشاهد ذلك الراعي يدخلُ الكيسَ بدلاً منه طمعاً في أن يتزوّج بنت كبير التُجّار ذاك، وحينما استيقظ القومُ من نومهم قاموا بإلقاء الكيس وبداخله راعي الغنم في البحر ظنّاً منهم بأنّهُ المحتال