كتب حاتم الورداني علام
تتضارب المعلومات حول اقتراب إيران من توقيع اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة ومعسكر الغرب؛ ففي حين تؤكد دوائر أوروبية بلورة مسوّدة تتألف من 20 صفحة للاتفاق، تنفي طهران الأمر قطعياً، حسب وكالة «إسنا»؛ لكنها تواجه عجزاً في إخماد ثراء معلومات، يشي بإفراج وشيك عن ممتلكات إيرانية بقيمة 7 مليارات دولار في بنوك بكوريا الجنوبية، وإطلاق سراح سجناء غربيين من سجون إيران، وهبوط سقف تخصيب اليورانيوم في المنشآت النووية الإيرانية إلى 5%؛ لتبدأ مرحلة أخرى بعد تطبيق تلك البنود، وهي رفع تدريجي لكامل العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على حكومة طهران، حسب «رويترز».
تحطيم جدار العقوبات
وبعيداً عن سجال التأكيد والنفي، استشرفت معلومات سرية مآلات الاتفاق النووي المزمع، وجزمت بأن إدارة جو بايدن لن تتنازل عن صياغة اتفاق يخدم إيران، ويتفادى وضع أي عراقيل أمام سعيها لامتلاك سلاح نووي، فضلاً عن «تحطيم جدار العقوبات المفروض عليها دولياً». وتنطلق تلك التأكيدات من رصد طبيعة العلاقة «غير المعلنة» بين رئيس البيت الأبيض من جهة، والدولة الإيرانية من جهة أخرى؛ وهي العلاقة التي «صاغت اتفاقاً نووياً على هوى إيران في 2015»، حسب اعترافات وزير الخارجية السابق جواد ظريف في كتاب صدر منذ وقت قريب يحوي مذكراته.
منظمة سوروسو
وفقاً لما نقلته الكاتبة الأمريكية – الإسرائيلية كارولين غليك عن الناشط الحقوقي الإيراني حشمت علوي، كشف ظريف في كتابه الجديد معلومة مثيرة أكد فيها أنه خلال 2014، صاغ النظام الإيراني مسوّدة للاتفاق النووي، «وقررنا إرسالها إلى ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وذلك من خلال عنصر على علاقة مباشرة بالوفد الأمريكي، فضلاً عن عضويته في منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» International Crisis Group، أو «ICG»، التي تأسست عام 1995 بقيادة رجل الأعمال الأمريكي – اليهودي جورج سوروس، ونظرائه مارك مالوك براون، ومورتن إسحق أبراموفيتش، وستيفن سولارز؛ وكان الهدف من تلك الخطوة هو تمهيد الطريق أمام التجاوب مع المسوّدة التي طرحناها، والحيلولة دون الاعتراض عليها». ويؤكد ظريف في مذكراته أن العملية السرية الإيرانية حققت نتائجها المرجوَّة؛ فبعد قبول مسوّدة طهران، نشرت «مجموعة الأزمات الدولية» ورقة بحثية تحت عنوان «إيران ودول 5+1 لحل لغز مكعب روبيك النووي» (مكعب روبيك هو لغز ميكانيكي ثلاثي الأبعاد). وكشف الوزير الإيراني السابق أن ورقة الـ«ـICG» البحثية اعتمدت بالأساس على مسودة الاتفاق الإيرانية، وتقاطعت تماماً مع آمال الإيرانيين؛ كما تبناها الأمريكيون، وأصبحت قاعدة للاتفاق النووي الذي جرى التوصل إليه في يونيو 2015. أما الاتفاق ذاته، فصاغه علي فاز، الذي كان ولا يزال حتى اليوم رئيساً لإدارة إيران في الـ«ـICG». وحتى 2019 ظل فاز مرؤوساً لروبرت مالي، رئيس شعبة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة ذاتها. وفي 2014 أصبح مالي عضواً في طاقم أوباما للمفاوضات النووية مع الإيرانيين؛ لكنه عاد إلى المنظمة وهو يتولى منصب الرئيس، وظل بها إلى جانب فاز حتى عينه الرئيس جو بايدن العام الماضي 2021 موفداً للتفاوض مع إيران.
القيود النووية
وحسب ما نشرته الكاتبة الأمريكية – الإسرائيلية في صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية، تنفي منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» ما حوته مذكرات ظريف في هذا الخصوص، لكن الحقيقة وفقاً لتقديرات كارولين غليك تؤكد أن روبرت مالي وكذلك فاز يؤيدان منذ ما يربو على العقد رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وواشنطن على حكومة طهران؛ فضلاً عن دعمهما رفع قيود الأنشطة النووية الإيرانية.
وفي أكتوبر الماضي قال مالي إن الإدارة الأمريكية «تستعد لعالم لا تُفرض فيه قيود على برنامج إيران النووي»، وأضاف: «إننا على استعداد لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران». ويقيم فاز ومالي علاقات متشعبة ووطيدة منذ فترة طويلة مع حماس و«حزب الله»؛ وفي حينه، وصف الموفد الأمريكي روبرت مالي التنظيمات الإرهابية بـ«حركات اجتماعية – سياسية حقيقية راسخة الجذور»؛ ووفقاً لوسائل إعلام إيرانية، يعد فاز هو الوسيط (بجانب سفير روسيا لدى فيينا ميخائيل أوليانوف) بين الوفد الإيراني ونظيره الأمريكي في محادثات فيينا.
وحين عيَّن الرئيس جو بايدن روبرت مالي لإدارة ملف عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، كان هناك من أرجع الخطوة إلى رغبة بايدن في التصالح مع معسكر اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي، لكن هذا التبرير يجافي السجل التاريخي للرئيس الأمريكي نفسه، ولا سيما عند رصد طبيعة العلاقة بين بايدن وإيران، حسب تقرير «يسرائيل هايوم».