بقلم عبير مدين
لا أتذكر اسم مدير المدرسة ولا إسم الناظر في مدرستي الابتدائية لكن أتذكر جيدا اسم عم سعد العامل و الأستاذة نادية السكرتيرة والسبب واقعة كثيرة التكرار في تمام الساعة الثانية عشر إلا ربع يوميا حيث يقف مدير المدرسة في شرفة الطابق الثاني و ناظر المدرسة في الطابق الأول ينظران لفناء المدرسة و لعم سعد العامل الذي يقف متأهبا ليدق جرس الانصراف لينهي يوم عمل شاق بالنسبة له، ينادي ناظر المدرسة قائلا اضرب الجرس يا سعد وما إن تمتد يد عم سعد ليمسك بذراع هذا الناقوس الكبير ليدقه بعدها نهلل بفرحة (مروح مروح) حتى يأتي صوت المدير قائلا إياك أن تضربه يا سعد! فيعود الناظر قائلا اضرب الجرس يا سعد ليقول المدير إياك أن تضربه يا سعد! هكذا عدة مرات وفي النهاية يحسم هذا الصراع الأستاذة نادية السكرتيرة وهي كانت سيدة ممتلئة الجسد طويلة القامة تقترب من مدير المدرسة وهي تبتسم بغيظ يخيل للرائي أنها سوف تضربه ببنيته الهزيلة ثم تمد ساعدها الذي يشبه ذراع مصارعي الرو الآن وتشير بإصبعها للساعة فقد أصبحت الثانية عشر تماما ! يقول بعدها المدير وفي عينه لمعة الانتصار اضرب الجرس يا سعد! كنت أتابع هذا المشهد يوميا من باب فصلي المطل على الفناء و المواجه الجرس ويكون من دواعي سعادتي يوم أن تكون الحصة الأخيرة حصة الألعاب حيث احمل حقيبتي واقف بجوار عم سعد اضحك ببراءة كلما رأيته مترددا حائرا ينفذ تعليمات مدير المدرسة أم الناظر! فكلاهما له سلطة عقابه بتوقيع جزاء عدم تنفيذه تعليمات رؤساءه وانظر بإعجاب للأستاذة نادية بجسدها الضخم فهي المنقذ لنا جميعا من هذا الصراع!
اكتشفت بعد مرور هذه السنوات الطويلة أن الحال لم يختلف، المدرسة مثل العمل مثل أي مكان في المجتمع هناك قوى متصارعة ومجموعة كبيرة من سعد تقف حائرة في هذا الصراع وهي من تدفع دائما ثمن هذا التناحر وهناك قوة تحسم الأمور وترجح كفة فصيل على أخر ، وهناك أيضا فئة المتفرجين قوم لا ناقة لهم ولا جمل لكن يتخذون من هذه الصراعات وسيلة تسلية
انه التاريخ الذي يعيد نفسه وان اختلف ثوبه.