مفهوم التطور

متابعة ..احمد عدلي تمام
تعتبر قضية التطور من القضايا التي كانت – ولا تزال- تشغل حيزًا كبيرًا في سماء العلم، خاصةً لما لها من آثار جليّة في الأبحاث التطورية حاليا سواء في مجال البحث الدوائي و الزراعي و الحيواني.

لكن رغم ذلك نجد الصراع محتدما حول بعض الأطروحات والنظريات الخاصة بهذه القضية، خاصة بعض أطروحات العالم التطوري تشارلز داروين التي أثارت تساؤلات عديدة نحاول أن نجد لها أجوبة مقنعة.

إذا نظرنا إلى مفهوم كلمة “تطور” سنجد أن “بداية استخدام الكلمة كان لوصف عمليات تحول خلية الزيجوت إلى فرد كامل. . أما الآن فإننا نعني به تغير المادة الوراثية في عشيرة من الكائنات عبر الأجيال، هذه التغيرات التي تكون صغيرة عادةً في كل جيل، يؤدي تراكمها المستمر إلى إمكانية بزوغ أنواع جديدة، ويشير التشابه بين الأنواع إلى انحدارها من أصل مشترك”  بهذا سنجد أن المفهوم ذاته قد تغير معناه بتغير المستجدات ، وهذا يشير إلى ظهور معطيات جديدة أدت إلى إعادة البحث في مفهوم التطور أو بمعنى آخر، إعادة صياغة المفهوم ليتناسب مع التطور البحثي وما ينتج عنه من مستجدات.

التطور عبر العصور 

من قديم الأزل، انشغل العلماء بقضية التطور، ويُدلي كل منهم بِدَلوه في بئر البحث كي يتوصل إلى استنتاج يفيده في معرفة حقيقة التطور، ومن أمثلة ذلك فلاسفة الإغريق مثل أنكسماندر الذي افترض أن نشأة الحياة كانت في البحار ثم انتقلت إلى الأرض، “أما أفلاطون فقد رأي الكائنات كانعكاس لهيئات كاملة وأن ما بها من تباين يمثل قصورًا عن هذه الهيئات” “وأن كل الأجناس الحيوانية غير قابلة للتغيير لأنها صُنعت طبقا لنماذج عن أشكال أزلية ”  وكذلك كان رأي أرسطو أيضا وهو يسمى أيضا بالتراتبية ، وتلك كانت النظرة الغربية الثابتة نسبيا. 

واختلفت الفلسفة التاوية في الصين القديمة مع تلك النظرة الغربية، فأكدت على “عدم ثبات الأنواع وتكيفها مع البيئة.. وقالت بتطور الكون والكائنات والمجتمعات” 

وفي العصر الإسلامي، دخل علماء المسلمين مضمار البحث في تلك القضية والذي تجاوز ما وصل إليه الغرب، ومن اشهرهم “الجاحظ” الذي أوضح “تأثير البيئة على فرصة بقاء الحيوانات ووصف ما يطلق عليه الآن الصراع من أجل البقاء”  وكذلك “ابن خلدون” الذي تحدث عن التطور الطبيعي والمجتمعي . 

وفي التاريخ الحديث، قامت عدة نظريات لشرح مفهوم التطور ومنها نظرية” موبرتوي الذي نحى إلى المادية في تصوره لتراكم التغيرات عبر التكاثر لأجيال عديدة بما يؤدي إلى نشأة سلالات جديدة.. كما قدم “إراسموس داروين” جد “تشارلز داروين” أفكاره عن نشأة وتنوع الكائنات من أصول بسيطة أقل تعقيدا .. كما قدم “كوڨير” نظرية الكوارث التي حاولت تفسير انقراض الكائنات وظهور كائنات جديدة في الأحقاب المتتالية ” 

من هو داروين ولماذا ذاع صيته في ميدان التطور؟

ولد داروين في بلده شروزبيري عام 1809 لوالد طبيب معروف، وكان داروين محبا للحركة واللهو بالحشرات مما أثار امتعاض معلميه خاصة مع ضعفه في مدرسة اللاهوت وهو ما جعله يحصل على درجات منخفضة في اللاهوت، وبعد تخرجه اهتم بعلم الجيولوجيا ودراسة المستحاثات حتى أتت إليه الفرصة التي غيرت مجرى حياته وحياة العلم التطوري وذلك عندما ذهب على متن السفينة (HMS BEAGLE) في رحلة حول العالم استمرت 5 سنوات، حيث تمكن داروين في تلك الرحلة من جمع عينات وتدوين ملاحظاته عن بعض الحشرات والطيور التي رآها، وفي تلك الرحلة “وضع تصورا لما سيصبح لاحقا نظريته في النشوء.. لكنه لم ينشر عمله الرئيس أصل الأنواع – The origin of the spices الا بعد سنوات من رجوعه من الرحلة لأنه كان رجلاً حذرا كما يجب أن يكون العالم” 

وكما ذكرنا، لم يكن داروين أول المنشغلين بقضية التطور، لكن أطروحاته هي التي جعلت منه حديث الساعة في هذا الميدان، خاصة مع تعارض أفكاره مع الكنيسة آنذاك لأن داروين من علماء التيار الطبيعي “الذي لا يقبل أية حقيقة غير الطبيعة والعالَم المدرَك.. وهو يعتمد على الظواهر لا على افتراضات منطقية ولا على أي شكل من أشكال الوحي الإلهي.. وبالتالي أبعد داروين نفسه عن نظرة الكتاب المقدس إلى موقع الإنسان من الخليقة، فقد كانت الحلقات الاكليريكية والعلمية ملتزمة بشدة بالعقيدة التوراتية القائلة بعدم قابلية الأجناس النباتية والحيوانية للتغيير، فكل نوع من الحياة الحيوانية قد خُلق لوحده مرة وإلى الأبد”  ، في حين أن داروين توصل إلى “استنتاج أن الأنواع الحية لم تُخلق بصورة مستقلة عن بعضها، ولكنها انحدرت عن أنواع أخرى”  وهذا ما خلق التعارض بينه وبين الكنيسة. 

يتبع،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *